29 - 05 - 2025

مؤشرات | رسالة من غزة.. والحرب والموت والتجويع

مؤشرات | رسالة من غزة.. والحرب والموت والتجويع

مرة أخرى تأتي رسائل صديقي من غزة، تعكس وضعًا أسوأ كثيرًا من الشهور الماضية، والتي تدهورت على كل النواحي، بل هناك مجاعة فعليًّا، وما يتوفر من مواد غذائية تأتي بأسعار مبالغ فيها جدا، مع رعب يومي من العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الصهيوني، على مدار الساعة، ولا تخلو منها منطقة على مستوى قطاع غزة بالكامل.

وتحمل رسالة صديقي أملًا في أن تتوقف الحرب، وتسري أي هدنة لالتقاط الأنفاس، مع إمكانية تأهيل ما تبقى من المنازل للمعيشة، بعد شهور طويلة من العيش في خيام بدائية، وتحت البرد والصقيع، طيلة شهور الشتاء المنتهي.

ومن المهم أن نتمعن في رسالة صديقي القصيرة، والتي تتكون من 19 كلمة، وما تتضمنه من معانٍ، حيث قال: "حياك الله أخي محمود، وبارك الله فيك، نحن بخير لكن الوضع صعب، ونحن ننتظر وقف الحرب إن شاء الله".

رغم الآلام يصرُّ صديقي – الذي أخشى ذكر اسمه خوفًا عليه – يصر على التأكيد "نحن بخير"، وهي صيغة جمع تعني أنه وعائلته ورفاقه، ومن حوله في المنطقة التي يعيش فيها، أنهم جميعًا بخير، بالرغم من إصابة زوجته بشظايا أثرت على الكثير من أعضاء الجسم، والمخ، وأشياء كثيرة، إلا أن التمسك بالأمل في الله هو شعار من يعيشون تحت حرب الإبادة الصهيونية.

وعندما أسترجع عجلة الزمن إلى الوراء لبضع سنوات، أتذكر عندما قرر صديقي العودة للوطن "غزة"، قبل أكثر من عشر سنوات، ليعيش على الأرض التي ظلت حُلمه الأبدي، وكان يقول: "سأرمي البذور في أرض عزة؛ لتنبت دون سماد، أو لا أقول مبالغًا دون مياه".

وقد عاد وبدأ في تحقيق ما يحلم به، إلا أن الصهاينة لا يريدون الخير، وظل الكيان الصهيوني يستهدفهم، إلى أن جاءت حرب الإبادة من 7 أكتوبر 2023، والتي كانت الأسوأ في التاريخ الفلسطيني، لتأكل الأخضر واليابس، وتدمر أحلام أجيال.

وفي رسالة صديقي، جاء الجزء الثاني حاملًا الكثير من المآسي الناجمة عن هذه الحرب الصهيونية، وتشخيصًا لواقع مرير، مشيرًا إلى أن الوضع صعب، وكلمة "صعب" ليست إلا مجرد تلخيص للمآسي التي يعيشها أهل قطاع غزة، تحت نيران قوات الاحتلال الصهيوني، والتي راح ضحيتها أكثر من 54 ألف شهيد، وعشرات الآلاف من المصابين، ومن هم ما زالوا تحت الأنقاض الناجمة عن تدمير جل مباني قطاع غزة.

ولم يبق في الآمال أمام أهل غزة، سوى الانتظار ليوم هادئ، وهو ما عبر عنه صديقي بجملة واحدة، هي: "نحن ننتظر وقف الحرب إن شاء الله". فحتى هذا الأمل يظل بعيد المنال، في ظل وجود حكومة صهيونية دموية، تعشق الدم، تحت قيادة الإرهابي "بنيامين نتنياهو"، والتي ليس لديها رغبة في السلام، لا في الأفق القريب، أو حتى المتوسط والبعيد.

وأرفق صديقي من غزة برسالته، قائمة بأسعار المواد الغذائية الرئيسية في مخيم النصيرات. وتكشف القائمة عن أزمة حقيقية يعيشها أهل المخيم، وهو نفس الوضع في باقي القطاع، فالسلع الرئيسية "مفقودة"، أي: غير موجودة، خصوصا الطحين "الدقيق"، رغم ارتفاع سعره الى ما فوق 79 شيكلًا للكيس الصغير، ونفس الوضع بالنسبة لسلع مثل: السكر، والجبن، والبصل.

أعتقد أن إرفاق صديقي برسالته، قائمة أسعار السلع الرئيسية، تعبيرًا عن أن أهل غزة يعيشون مأساة جوع حقيقية، فإذا تواجدت السلع فالمال غير موجود، وإذا تواجد المال فلن يغطي ما يكفي لسد رمق الجوعى.

فالقائمة تحمل أرقامًا مزعجة ومفزعة عن أسعار السلع، لتؤكد حجم المأساة التي يعيشها نحو مليوني فلسطيني، محاصرين برًّا وبحرًا وجوًّا، من عدو صهيوني، هدفه ليس إلا التدمير، وقتل الأطفال والشيوخ والنساء، وطبعًا الرجال؛ لتفريغ قطاع غزة من البشر، والتجويع ليس إلا وسيلة لإجبار سكان القطاع على التهجير القسري والرحيل.
---------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | رسالة من غزة.. والحرب والموت والتجويع